توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حكايات في غياب المؤسسات

  مصر اليوم -

حكايات في غياب المؤسسات

بقلم: غسان شربل

ذات يوم كلفت الأمم المتحدة فريقاً إجراء تعداد سكاني في دولة أفريقيا الوسطى التي كانت تعيش في قبضة الإمبراطور بوكاسا. بعد انتهاء الأعمال استقبل الإمبراطور الفريق الذي قال رئيسه التونسي إن النتيجة أظهرت أن عدد السكان هو أربعة ملايين ونصف المليون شخص. انزعج صاحب القرار. لا يريد أن يكون إمبراطوراً لدولة صغيرة. رد بأن عدد السكان هو عشرة ملايين نسمة. وحين رد الخبير التونسي لافتاً إلى ما أظهره الإحصاء، أمر الإمبراطور بإلقائه في السجن ولم يخرجه منه إلا بعد وساطات أفريقية وأممية. لا يحق للأرقام التمرد على إرادة الحكام. قبل ذلك كان بوكاسا أنفق ربع الميزانية على حفل نصب نفسه فيه إمبراطوراً. وحين سُئل عن المبالغة، قال إنه لم يفعل سوى الاقتداء بنابليون.
روى رجل أعمال فرنسي أنه كان على يخت الرئيس الزائيري موبوتو سيسي سيكو. وخلال الرحلة استاء الرئيس من أداء أحد النُّدُل، فأمر برميه في النهر طعاماً للتماسيح... وهكذا كان. اختار الرئيس الملهم اسمه «موبوتو سيسي سيكو وازابانغا» الذي يعني «الديك الذي يعاشر كل الدجاجات».
ذات يوم زار متملق من ساحل العاج العقيد معمر القذافي وأقنعه بأن زعامة ليبيا قليلة عليه، وأن لقبه الحقيقي يجب أن يكون «ملك ملوك أفريقيا». دغدغت اللعبة مشاعر الرجل المريض. أمر بإقامة احتفال. لم يكن في أفريقيا ملوك، بل سلاطين في مجموعات وقبائل. ولم يكن أمام مساعدي القائد غير البحث عن تاج، واشتروه واحتفلوا معه. وكان القذافي قبل هذا أمر بإبلاغ العالم أنه لا يقبل بلقب الرئيس، بل «قائد الثورة» ثم غير اللقب ثانية إلى «القائد الأممي الثائر» إلى أن أصبح «قائد الثورة وملك ملوك أفريقيا». ولم يكن أمام الخارجية الليبية غير إبلاغ العالم باللقب الجديد.
وذات يوم استدعى القذافي وزير الخارجية وخبيره الأفريقي علي عبد السلام التريكي. والمهمة بسيطة. قال له: «تنقل رسالة إلى (الملك) الحسن الثاني وتقول له فيها بالحرف وبوضوح: أنت خائن وعميل». وكان يتصل به أحياناً ويبلغه أمراً صارماً: «اتصل بعمرو موسى واشتمه».
وذات يوم وقف القذافي على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة وتعمد أن تكون كلمته أطول من كلمة باراك أوباما. حاول أمام الكاميرات تمزيق ميثاق المنظمة الدولية، وحين لم ينجح رماه أرضاً، وطالب مندوب ليبيا لدى المنظمة الدولية بإعادة تحريك التحقيق في اغتيال الرئيس جون كيندي. ولم يغبْ عن باله لاحقاً مطالبة وزير خارجيته بالعمل من أجل طرد سويسرا من الأمم المتحدة وتقسيم السعودية.
وذات صيف غزا الجيش العراقي الكويت. وبعد ساعات استدعي إلى مقر القيادة العامة وزير الدفاع العراقي ومعه رئيس أركان الجيش ليبلغهما أحد الضباط أن الجيش اجتاح الكويت. وبعد أيام سيبلغ صدام حسين الرجلين أنه فضّل، من أجل السرية، استخدام وحدات تأتمر مباشرة بأوامره.
ما تقدم لا يندرج في باب الأخبار الطريفة التي يمكن العثور عليها في الإنترنت. إنها حفنة من روايات كثيرة سمعتها من الرجال المعنيين بالأحداث؛ وبينهم وزير الخارجية الليبي السابق عبد السلام التريكي، والفريق أول نزار الخزرجي رئيس أركان الجيش العراقي ساعة الغزو.
تُذكّر هذه الروايات بما يمكن أن يتعرض له بلد من البلدان حين يستولي على الأختام فيه رجل لا علاقة له بفكرة الدولة وإدارة شؤون الناس، ولا علاقة له أيضاً بالاقتصاد وحقوق المواطن، ولا بالمواثيق الدولية وموازين القوى والقانون الدولي والأعراف المعمول بها في التعامل بين الأمم. تُذكّر هذه الروايات أيضاً بالمأساة التي يشكلها غياب المؤسسات. هل كان للغزو العراقي الكارثي للكويت أن يحدث لو كانت هناك مؤسسة لا بد من المرور عبرها ويملك أعضاؤها حق إبداء الرأي والتنبيه إلى المخاطر والانعكاسات؟ وهل كان باستطاعة القذافي مثلاً أن يأمر في 1975 بخطف وزراء منظمة «أوبك» مع تعليمات بقتل الوزيرين الإيراني والسعودي لو كانت في طرابلس مؤسسات كفيلة بلجم القرارات المتهورة المجنونة؟
نكتب لأن دولاً عربية عدة دفعت ثمناً باهظاً للغياب المفاجئ لـ«المنقذ» الذي أقام طويلاً وهندس «دولته» على قاعدة وحيدة؛ هي استمراره في القصر مع المحيطين به. لا قبول بفكرة المؤسسات وفصل السلطات. والمعيار الوحيد هو الولاء، بعيداً عن الكفاءة وهمومها. هكذا يصبح البرلمان برلمان القائد. والأمر نفسه بالنسبة إلى الجيش والقضاء. وحين تهب العاصفة وتجرف «المنقذ»، يحصل الانهيار الكبير، ويخرج البلد عارياً لمواجهة الأحداث، فيقع في الفوضى القاتلة، أو في يد الميليشيات، أو التدخلات الأجنبية. رأينا المشاهد العراقية غداة اقتلاع نظام صدام. ولا نزال نعاين ويلات الانهيار الكبير الذي أعقب شطب القذافي ونظامه.
شاهدنا في الأيام الماضية كيف استرجع السودانيون قدرتهم على الحلم بأيام أفضل. وشاهدنا الجزائريين في مليونياتهم السلمية يعبرون عن توقهم إلى دولة جزائرية لا تكون أسيرة التسلط وحلقات الفساد المحيطة بصاحب الأختام. وسمعنا في الشارعين السوداني والجزائري دعوات ملحة إلى محاكمة من تسلطوا على الناس وتلاعبوا بلقمتهم. والأمر مشروع ومفهوم. لكن الأهم من محاسبة الماضي هو فتح بوابات المستقبل. وهذا يعني بناء توافقات سياسية تشدد على فكرة الدولة العصرية والمؤسسات.
حان وقت الخروج من الألعاب القديمة المكلفة. المطلوب رئيس طبيعي لدولة طبيعية تعيش في ظل المؤسسات وحكم القانون.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكايات في غياب المؤسسات حكايات في غياب المؤسسات



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon