توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تاريخ وفاة عبدالحليم الحقيقى

  مصر اليوم -

تاريخ وفاة عبدالحليم الحقيقى

بقلم : خالد منتصر

أعتقد أننا لا بد أن نعيد النظر فى توقيت الاحتفال بذكرى وفاة عبدالحليم حافظ، فعبدالحليم لم يمت فى مارس 1977 ولكنه مات قبل ذلك بفترة طويلة، وبالتحديد أثناء حفلة «قارئة الفنجان» الأولى، هذه الأغنية التى بذل فى الإعداد لها وفى بروفاتها مجهوداً خارقاً تعرض بسببه للنزيف القاتل عدة مرات، فقد احتشد لها بكل عناصر النجاح، أولاً اختياره لكلمات أشهر شاعر عربى حديث كتب عن الحب وهو نزار قبانى، ثانياً لحن محمد الموجى الذى تم التحفظ عليه لحين الانتهاء من لحنه العبقرى المتفرد والذى نكتشف فى تفاصيله ما يدهشنا حتى هذه اللحظة، ونأتى إلى أهم تلك العناصر وهو صوت حليم الذى وصل فى تلك الفترة إلى قمة تألقه ونضجه وشجنه وسحره.

باختصار، اجتمعت فى تلك الأغنية كل عناصر النجاح. ولكن -وآه من لكن هذه- كانت الحفلة خاسرة بكل المقاييس وخصمت من رصيد عبدالحليم الكثير والكثير، ففى هذا الحفل تأكد عبدالحليم من أن الزمن لم يعد زمنه، وأن جمهوره القديم قد تغيرت ملامحه بحيث أصبح من الصعب على حليم أن يتونس به، وأن مجتمعه الذى تشكل منذ منتصف الخمسينات وانتمى هو إليه بكل كيانه وتم تأميم حنجرته لصالح توجهاته الثورية، هذا المجتمع كان قد رحل فى سفينة الانفتاح مودعاً إياه وملوحاً له بشيكات الصفقات والعمولات والسمسرة، ليتركه على الشاطئ وحده يعانى من برد الغربة وصقيع الرحيل المفاجئ الغادر، اكتشف حليم أن أحلامه قد تم اغتيالها وأن غناءه الوطنى كان مجرد كذبة كبيرة سرعان ما تم التضحية بكل معانيها، واكتشف أيضاً أن جمهوره لم يعد يعترف بشىء اسمه المجهود والكفاءة والإتقان، فكل هذه الأشياء قد صارت فى عداد الأساطير والخرافات وجاء زمن الأغنية الساندويتش واللحن الحواوشى وهز الوسط وليس مس القلب والوجدان.

ما إن بدأ عبدالحليم بالغناء فى ذلك الحفل حتى انطلقت الصفافير وبدأ الرقص فى منتصف الصالة مما اضطره لترك الغناء للتفرغ لتنظيم الجمهور، وعندما فاض به الكيل صرخ فى هذا الجمهور المزيف الغريب قائلاً جملته الشهيرة، والتى حذفت من التسجيلات فيما بعد، «ما أنا كمان باعرف أصفر وأزعق!»، وصعد أثناءها إلى المسرح شخص من الصالة حاملاً معه بدلة عجيبة ذوقها متدنٍّ وشاذ، كانت البدلة ذات ألوان فاقعة ومرسوماً عليها أربع فناجين قهوة وكأن عبدالحليم يغنى إعلاناً عن البن البرازيلى لا قصيدة من أجمل ما كتب نزار!!!، والمأساة أن هذا الشخص كان مصراً على أن يرتديها عبدالحليم مما زاد من توتره.

لم يصدق عبدالحليم أن هذا هو جمهوره وتخيل أن المطربة وردة الجزائرية هى التى بعثت بهؤلاء البلطجية لكى يفسدوا حفلته، وظل حتى آخر لحظة من حياته مقتنعاً بأنها مؤامرة خلقها التنافس، وذلك الاقتناع نتج عن أنه لم يشك للحظة أو بالأصح رفض التصديق بأن رياح الزمن الردىء قد عصفت بكيان المجتمع وزلزلته من الداخل فتناثرت على شوارعه وناسه أوراق الخريف الذابلة.

وبعدها تضخمت المأساة عندما سخر منه سيد الملاح فى وصلة تقليد مهينة على الهواء مباشرة، ونال تصفيق الناس حين نقل إليهم أن عبدالحليم صار عدوهم ويريد تأديبهم وضربهم بالعصا، وبالطبع صدم طفل الثورة المدلل وهو يرى نفسه بهلواناً فى التليفزيون وكان للأسف لم يعرف أن زمن البهلوانات قد دقت ساعته وحان أوانه وأن زمن القامات الفنية العملاقة قد ولى تاركاً المكان لليل الأقزام!، وتزامن فى هذا الوقت ومع كل تلك الفوضى سيطرة التيارات الدينية المتطرفة على قطاعات واسعة من المجتمع فى الشوارع والجامعات والنقابات وبالتالى على توجهات الفن الذى يمثل ألد أعداء هذه التيارات، وعندما غنى عبدالحليم «يا ولدى قد مات شهيداً من مات فداءً للمحبوب»، هاجت الدنيا وماجت وأطل ذوو الأفق الضيق والخيال المجدب العقيم من جحورهم ليحاولوا تحطيم تمثال عبدالحليم الذى نحتته أنامل البسطاء الذين أسكنوه حبات القلوب، ولم يكتفوا بذلك بل هداهم تفكيرهم الشاذ المنغلق المتربص وبتحريض من الغوغاء إلى أن يقنعوا الإذاعة والتليفزيون بحذف جملة من أغنية قديمة هى «قدر أحمق الخطى» من أغنية كامل الشناوى «لست قلبى».

توالت تلك الأحداث على العندليب الذى لم يستطع أن ينقلب إلى صقر، وأحس حليم بأن التجاعيد والبثور قد زحفت على وجه الوطن الذى صار غريباً عليه، وحاول أن يعافر ببضع أغنيات وطنية عند استعادة الأرض ولكن هذه الأغنيات للأسف كانت قد خاصمت الصدق فى معظمها، وأصبح حليم ضيفاً بعد أن كان صاحب بيت، وصار طريداً بعد أن كان رمزاً، ومطلوباً من المتطرفين بعد أن كان مطلوباً من المحبين، ومتهماً بالتحريض على الكفر والفسوق بعد أن كان متهماً بالتحريض على الحب والعشق والغرام.

ومات عبدالحليم منذ ذلك الحفل ولكن إعلان الوفاة تأجل إلى مارس 77 حين باغته نزيف دوالى المرىء فوجد جسده جاهزاً ومتهيئاً للموت من جراء نزيفه الداخلى السابق، نزيف الغربة والزمن المراوغ، جاءه الموت فوجده لابساً الكفن قبلها بعام وممدداً فى سريره القبر أو قبره السريرى، يشاهد موكب الحزن وعلى شفتيه ابتسامة حسرة فقد كان يتنبأ بزمن مقبل، زمن حمّو بيكا!!

نقلًا عن الوطن القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع      

 

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخ وفاة عبدالحليم الحقيقى تاريخ وفاة عبدالحليم الحقيقى



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon