توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل نتعاطف مع كنيسة باريسية؟

  مصر اليوم -

هل نتعاطف مع كنيسة باريسية

بقلم: حازم صاغية

قبل إخماد النار في كنيسة نوتردام، ضربَنا، على وسائل التواصل، زنّار من نار: لا تحزنوا على ما حلّ بباريس. عيب وخيانة أن تحزنوا...
هذا الصوت، المتفاوت الحضور والتمثيل بيننا، استهجن أن يؤلمنا، عرباً ومسلمين، ذاك الحدث. ولِرَدعنا عن الحزن قيل: لقد احترقتْ مدن، فضلاً عن مساجد وكنائس، في بلداننا، وينبغي ألا نتعاطف إلا مع مآسينا. قيل كذلك: هناك شعوب وجماعات تعاني الأمرّين في أوطاننا، وهي وحدها تستحقّ عواطفنا. قيل أكثر من ذلك: فرنسا بلد استعماريّ، وكنائسها؛ خصوصاً تلك التي احترقت، وثيقة الصلة بحروب الصليبيين.
في المقابل، انتشر كلام كثير وصحيح، إلا أنه يشبه الكليشيه السياحي، عن «نوتردام» وجمالها. عن مركزيتها في المشهد الباريسي. عن موقعها في التاريخ الفرنسي. عن عمارتها القوطية. عن التحف الفنية التي تحتويها. عن فيكتور هوغو وروايته...
لكنْ لا بأس بتركيز النقاش في مكان آخر مداره مفهوم التعاطف. فبعضنا، وبعض سِوانا أيضاً، يمضغون فكرة بدائية مفادها التالي: العاطفة كميّة محدودة تنفد باستعمالها. فإذا تعاطف واحدنا مع ابنه قلّت قدرته على التعاطف مع ابنته، والشيء نفسه يصحّ في الأصدقاء والأمكنة والمآسي... فالمطلوب إذن أن نصبّ مشاعرنا كلّها حيث قومنا أو قضايانا: «راجل واحدْ، مبدأ واحدْ»، كما تقول أوبريت «الجيل الصاعد».
وهذا ما يفترض وجود وجهة نظر، وطنية أو قومية أو دينية، فيما خصّ الأحاسيس والعواطف. وجهة نظر كهذه مُلزِمة 24 ساعة في الـ24، إنّها تعمل ليلاً ونهاراً بلا توقّف.
أغلب الظن أن رأياً إجماعياً كهذا أمر لا وجود له، وإذا وُجد سيكون مفتعلاً وخطيراً، إذ يُبرمجنا ويصبّنا في قالب كالذي يُصَبّ فيه الكوريون الشماليون. المسألة، في المقابل، تتّصل بالحساسيات الفردية والتجارب الشخصية: بمدى علاقة كلّ واحد منّا بما يتعاطف معه أو لا يتعاطف. هذا المبدأ يصحّ في حالات يُفترض أنها بعيدة عن العواطف. فحتى في الحروب تنشأ صلات وروابط شخصية بين جنود متحاربين إذا جمعتهم خنادق متقاربة لفترات طويلة.
لكنْ ما دمنا نتحدّث عن أفراد على صلة ما بثقافة سياسية، أو بنُتَفٍ منها، استحال تجاهل التسييس الوحشي الذي يلغي ما عداه. قوام هذا التسييس مطالبة الفرد بأن يكون آلة سياسية طبقاً لمفهوم مُعتَقدي جامد عن السياسة.
لكنّ السياسة، والحال هذه، تتقلّص إلى «موقف» لا يعبأ بحرية الأفراد وتجاربهم، ولا يعنيه ألم الجسد الإنساني. فهي تأمر بالتعصّب لما يتراءى: «موضوعياً»، مُحقّاً وصائباً، أي «مناهضاً للاستعمار والصهيونية»، بغضّ النظر عن آراء الناس فيه، وعن معاناتهم المباشرة منه. أما الأفكار التي تزدهر في الوسط هذا، ولو على شكل شعارات شفوية، فلا تحضّ إلا على تجزئ الإنسان والإنساني: «ليس هناك إلا المصالح، وكلّ اعتبار آخر مزعوم. العلاقات من أعلاها إلى أدناها علاقات سلطة ونزاع على السلطة. الغربيّون حين يكتبون عنّا، ما عدا نعوم تشومسكي، يكونون استشراقيين، والعياذ بالله من الاستشراقيين»!
هذا التراكم لا ينجب إلا كائنات ذئبية ومشوهة، كائناتٍ تكره بالمطلق وترى أنّ تاريخ الآخر جوهر ثابت مكروه. ففرنسا هي الحروب الصليبية دائماً وأبداً، أو أنّها مساوية لحاكمها بالمعنى الذي يقال فيه «سوريّا الأسد» أو «عراق صدّام».
لكنّ ذلك كلّه لا يحدّ من ألم مشروع ينتابنا أحياناً. ذاك أنّ التعاطف الذي تستقطبه مآسينا أقل من أحجامها وأقل مما تستحق. وإذا كانت مسؤولية الغرب السياسي مؤكّدة، فإنّ مسؤولية أنظمتنا مؤكّدة أيضاً. فالتعاطف مع المباني يبدو كمالياً عندنا بقياس ما يعانيه البشر قهراً وإيلاماً. يضاف إلى ذلك ما يتعلّق بموقع منطقة ما من العالم الأوسع ومدى حضور هذا العالم فيها، وما يطال الفارق بين بورجوازياتنا حيال أوطانها وبورجوازية فرنسا في إحساسها ببلدها وتاريخه وثقافته، ما حملها على تقديم التبرّعات السخية لترميم «نوتردام»، ناهيك عن سيطرة البلدان الغربية على الصورة المنظورة والمسموعة، وعلى دفقها وتداولها الكونيين. وهذا جميعاً لا صلة له بالمؤامرات، وينبغي ألا تكون له صلة بالتعاطف.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل نتعاطف مع كنيسة باريسية هل نتعاطف مع كنيسة باريسية



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 22:42 2019 الجمعة ,31 أيار / مايو

البورصة الأردنية تنخفض 0.33 % في أسبوع

GMT 09:01 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

توقعات ببيع 28 مليون سيارة في الصين بنهاية 2019
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon