توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تجويع مضايا والمشروع الإيراني في سوريا

  مصر اليوم -

تجويع مضايا والمشروع الإيراني في سوريا

خيرالله خيرالله

هناك نية واضحة لدى إيران في إعطاء الصراع الدائر في سوريا طابعا مذهبيا، على الرغم من أنه صراع بين شعب يسعى إلى استعادة كرامته من جهة، ونظام يعمل من أجل استعباده.

أبعد من حصار مضايا، ثم سماح النظام السوري و”حزب الله” بإدخال مواد غذائية إليها، الإصرار لدى جهة معيّنة تقف وراء الحزب على الربط بين مضايا السنّية وقريتيْ كفريا والفوعة الشيعيتين. هناك نيّة واضحة لدى إيران في إعطاء الصراع الدائر في سوريا طابعا مذهبيا، على الرغم من أنّه صراع بين شعب يسعى إلى استعادة كرامته من جهة، ونظام يعمل من أجل استعباده.

من هذا المنطلق، لم يكن الحصار الذي استهدف مضايا وتجويع أهل البلدة القريبة من الحدود اللبنانية والذين يقدّر عددهم بنحو أربعين ألفا، مستغربا. إنّه حصار يأتي في سياق عمليات التهجير والحصار التي مارسها النظام السوري منذ قيامه، أي منذ تفرّد حافظ الأسد بالسلطة في خريف العام 1970.

الجديد الآن البعد الذي أخذه حصار مضايا. يتمثّل هذا البعد في الانتقال من إفقار سوريا والسوريين.. إلى تجويع البلدة. لم يتغيّر شيء في نصف قرن. كان مطلوبا في كلّ وقت إخضاع السوريين بكلّ الوسائل المتاحة، بما في ذلك تيئيسهم وتحويلهم إلى عبيد في خدمة النظام الأقلوي. لذلك استُحضر علويون لاستيطان مناطق خاصة بهم في المدن الكبرى، مثل دمشق وحلب وحمص وحماة وفي طول الساحل السوري وحيث وجدت مدينة سورية ذات شأن.

حيث لا وجود لكثافة سكّانية علويّة، خصصت أحياء جديدة في المدن الكبرى لهؤلاء. شغل هذه الأحياء جنود وضباط ينتمون إلى حاميات مرابطة في تلك المدن أو في مواقع قريبة منها. أما القرى الجبلية التي جاء منها العلويون إلى المدينة ليكوّنوا السلطة الأمنية فيها، فقد اشترى أراضيهم فيها المتمولون الكبار من أبناء الطائفة. وبين هؤلاء عدد لا بأس به من كبار الضبّاط المعروفين.

استطاع حافظ الأسد، منذ احتكاره السلطة، تغيير طبيعة المدينة السورية وذلك في ظلّ كرهه لأهلها وحذره منهم. كان هدفه الدائم، وهو البعثي القديم المؤمن بحلف الأقلّيات، ترييف المدينة وفي باله كبار الضباط السنّة، الآتين من المدن الكبيرة، الذين تخلّص منهم الواحد تلو الآخر بعدما استطاع إعادة تركيب الجيش على طريقته، وبما يتلاءم مع النظام الأمني الذي أقامه.

خضع أهل دمشق الذين يمتلكون مزاجا مسالما، فيما جرى تطويع حلب وحمص وحماة بالحديد والنار. كانت هناك انتفاضة في حلب في العام 1980. بلغت حصيلة تلك الانتفاضة التي لم يعد يتحدّث عنها أحد ما يزيد على خمسة آلاف قتيل.

وفي العام 1982، انتفضت حماة فأزيلت أحياء كاملة من المدينة عن بكرة أبيها وشرّد أهلها. أمّا عدد الضحايا، فزاد على عشرين ألف قتيل. هناك عائلات كاملة أُبيدت على يد قوات تابعة للنظام. كان كبار الضباط العاملين في خدمة النظام، على رأسهم رفعت الأسد، يتبارون في مجال ممارسة الوحشية في المدينة وحيال أهلها بحجة أن القتال دائر مع “جماعات إسلامية متطرّفة لجأت إلى الإرهاب”.

أمّا حمص، فكانت موضع ضغوط مستمرّة. كان مهمّا للنظام تعزيز الوجود العلوي فيها، على حساب السنّة والمسيحيين أيضا، نظرا إلى موقعها الاستراتيجي على الطريق الذي يربط بين دمشق والساحل السوري حيث الثقل العلوي.

كان الهدف من تدجين المدن الكبرى، أيّام الأسد الأب، تدريب المواطن السوري على الانصياع والرضوخ لشعار “سوريا الأسد”، أي لسوريا التي تمتلكها العائلة الحاكمة.

ما يحصل في مضايا التي تعرّضت ولا تزال تتعرّض الآن لحصار يشارك فيه “حزب الله” اللبناني، لم يعد يستهدف الترويج لـ”سوريا الأسد” وفرضها كواقع على السوريين الانصياع له. ما يحدث اليوم يأتي في سياق إقامة الدويلة العلوية المرتبطة بممرّ إلى قسم من الأراضي سهل البقاع اللبناني يسيطر عليها “حزب الله”. يحصل ذلك بعدما حوّل الحزب نفسه وصيّا على الدولة اللبنانية وعلى شؤون اللبنانيين.

المخيف أن العالم، على رأسه الإدارة الأميركية، يتفرّج على المأساة السورية، وهي مأساة تتمّ فصولا وتشمل عمليات تطهير ذات طابع مذهبي.

المؤسف، أن لا وجود لأيّ رد فعل دولي على الجرائم التي يتعرّض لها السوريون يوميا. من الواضح أنّ هناك مشاركة روسية وإيرانية في عملية تهجير السوريين من أرضهم، وتنفيذ عملية تبادل سكاني من منطلق مذهبي. كان ملفتا مسارعة إيران والناطقين باسمها من لبنانيين وغير لبنانيين إلى الربط بين حصار مضايا من جهة، والقرى الشيعية، مثل الفوعة وكفريا، القريبة من حلب من جهة أخرى. الهدف الإيراني بات مكشوفا. خلاصته أنّه ما دام ليس في الإمكان السيطرة على سوريا كلّها، خصوصا في ضوء سقوط النظام، ليس ما يمنع القيام بعملية جراحية تؤدي إلى تقسيم الكيان السوري بإشراف بشّار الأسد الذي فقد منذ فترة طويلة قدرته على اتخاذ أيّ قرار ذي شأن.

مفهوم لماذا تريد إيران ذلك وتسعى إلى تحقيقه عبر “حزب الله” وميليشيات جاءت بها من العراق وغير العراق. هناك مشروع توسّعي إيراني يقوم أساسا على إثارة الغرائز المذهبية، ولكن ما ليس مفهوما أين مصلحة روسيا التي تستهدف المعارضة المعتدلة في تقسيم سوريا؟ هل التغاضي عن تجويع مضايا يمكن أن يفيد موسكو في شيء؟

يعتقد فلاديمير بوتين أن في استطاعته استغلال السياسة الأميركية المتسمة باللامبالاة تجاه المأساة السورية لإثبات أنّ روسيا استعادت مواقعها في الشرق الأوسط. إنه تفكير ينمّ عن قصر نظر في أحسن الأحوال. يمكن أن تربح روسيا في المدى القصير، خصوصا أنّها تنسّق عن كثب مع إسرائيل. ولكن هل سينسى أهل المنطقة من العرب، خصوصا أهل سوريا، من وقف معهم ومن تعمّد تجويعهم وتهجيرهم؟

لن يصنع تجويع مضايا من روسيا قوّة عظمى، ولن تحقّق إيران أي هدف من الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، مهما طال الزمن ومهما تفنّن “حزب الله” في تطوير أساليب الحصار للقرى والبلدات السنّية السورية القريبة من الحدود اللبنانية.

سيبقى تجويع مضايا وصمة عار على جبين كل من ساهم في الحصار وكلّ من عمل من أجل تقسيم سوريا. صحيح أنّ هذا التقسيم صار واقعا، لكنّ الصحيح أيضا أنّ المأساة السورية لا يمكن إلا أن ترتدّ على الذين أشعلوا نارها. من كان يصدّق أن الشعب السوري مستمرّ في ثورته منذ أربعة أعوام وعشرة أشهر.

من كان يصدّق أن السوريين سيصمدون كلّ هذا الوقت في وجه “داعش” وكلّ الدواعش السنّية والشيعية.. وفي وجه الإمبريالية الروسية التي تدّعي قتال “داعش” في حين أنّها في الواقع شريك فعّال في الحرب على الشعب السوري لا أكثر ولا أقل؟

هذه الإمبريالية الروسية تبدو أكثر من أيّ وقت شريكا في عملية التبادل السكّاني التي تشهدها الأرض السورية، والتي هي جزء لا يتجزّأ من المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة.

GMT 05:50 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

هل لديك الشجاعة؟!

GMT 05:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الأدوات السياسية

GMT 05:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

كيف نتصدى لإيران في الخليج؟

GMT 05:31 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"الممر"

GMT 05:28 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

عيون وآذان (إسرائيل تتآمر على ما بقي من فلسطين)

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجويع مضايا والمشروع الإيراني في سوريا تجويع مضايا والمشروع الإيراني في سوريا



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon