توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كم هي عميقة الجذور التي زرعها رفيق الحريري

  مصر اليوم -

كم هي عميقة الجذور التي زرعها رفيق الحريري

بقلم : خير الله خير الله

كلّما مرّت الذكرى، كلّما اكتشف المرء عنصرا جديدا يؤكد أن الجريمة لم تكن تستهدف الرجل بمقدار ما أنّها كانت تستهدف لبنان بكلّ أبنائه. كانت تستهدف سوريا أيضا التي تحولت مدنها إلى أطلال في غياب رفيق الحريري.

للمرّة الثانية عشرة تطلّ ذكرى غياب رفيق الحريري الذي اغتيل ظلما مع رفاقه بهدف التخلص من لبنان. للمرّة الثانية عشرة يتبيّن أن الجريمة التي ارتكبت في الرابع عشر من شباط ـ فبراير 2005 لن تمرّ.

من كان يصدّق، أن النظام السوري الذي كان، في أقلّ تقدير، متواطئا مع منفذي الجريمة انتهى في اليوم الذي اغتيل فيه الشخص الذي يرمز إلى المحاولة الجدية الوحيدة، منذ العام 1975، لإعادة الحياة إلى لبنان انطلاقا من بيروت.

ما تشهده سوريا في هذه الأيام أسوأ من نهاية لنظام. إنّها نهاية لبلد كان يمكن أن يكون من أفضل بلدان المنطقة، لو وجد فيه من يستمع لرفيق الحريري بدل أن يرفع شعارات “المقاومة” و”الممانعة” لتبرير الجرائم المرتكبة في حقّ اللبنانيين والسوريين في آن.

في اثني عشر عاما، جرت المحاولة تلو الأخرى من أجل القضاء على ما بناه رفيق الحريري في وقت قياسي. تكمن مشكلة الذين يقومون بهذه المحاولات في أنّهم لا يدركون مدى عمق الجذور التي لمشروع رفيق الحريري. هذا المشروع الذي يتلخص بعبارة بناء الإنسان والحجر في آن.

أصبح رفيق الحريري رئيسا لمجلس الوزراء في العام 1992. ما يفوت كثيرين أن عملية إعادة بناء لبنان لم تبدأ بتشكيل الحكومة الحريرية الأولى. بدأت العملية منذ أصبح رفيق الحريري قادرا على مساعدة لبنان واللبنانيين من ماله الخاص الذي كسبه بعرق جبينه في بلد الخير الذي اسمه المملكة العربية السعودية.

على المرء ألاّ يستحي من تسمية الأشياء بأسمائها. هناك شخص يعرف لبنان. كان هذا الشخص، “المهووس بلبنان” على حدّ تعبير نهاد المشنوق، مستعدا للتبرع بثروته الضخمة، أو على الأصح بقسم كبير منها من أجل البلد وكي “يبقى البلد”، كما كان يقول رفيق الحريري نفسه.

من تعرّف على رفيق الحريري مطلع تسعينات القرن الماضي، قبل أن يصبح رئيسا لمجلس الوزراء، يدرك كم تطوّر الشخص في غضون خمسة عشر عاما.

كان من الزعماء القلائل الذين لا يستحون من قول عبارة “لا أعرف” عندما كان أمام سؤال لا يمتلك جوابا عنه أو قضية غريبة عنه. لكنّه كان في المقابل يعرف من هو الشخص الأفضل للإجابة عن هذا السؤال أو للتعاطي مع هذه القضية بشكل فعّال.

في هذه القدرة على التطوّر والتأقلم مع المتغيّرات ومعرفة من يصلح لماذا، تكمن أهمّية رفيق الحريري الذي سعى إلى إقامة علاقات مع جميع اللبنانيين وعمل في الوقت ذاته على التأسيس لشبكة علاقات عربية ودولية لم يكن هناك من مثيل لها.

كان مهتمّا بكلّ شاردة وواردة من أقصى المغرب العربي إلى كلّ دولة من دول الخليج، مرورا بالطبع بالمشرق العربي. قليلون يعرفون أن رفيق الحريري شارك في صياغة الدستور الفلسطيني عن طريق أفكار معيّنة ساهمت في إغناء الدستور وإعطائه بعدا إنسانيا.

لعلّ أكثر ما يلفت في رفيق الحريري أنّه كان يعرف كيف يبني وكيف يؤسس. امتلك معرفة عميقة بلبنان واللبنانيين. كان يعرف أهمّية الجامعات والمدارس والمستشفيات والمصارف والفنادق والمطاعم وكلّ المرافق السياحية في لبنان. استثمر فيها وفي الإنسان اللبناني.

لذلك علّم عشرات آلاف اللبنانيين على حسابه. عرف معنى الجامعة الأميركية في بيروت ومستشفاها وأهميّة الجامعة اليسوعية والجامعة العربية والجامعة الوطنية (الجامعة اللبنانية). لولا رفيق الحريري، لكان ممكنا أن تقفل الجامعة الأميركية أبوابها وأن يهاجر أساتذتها وجميع الأطباء الذين كانوا يعملون في مستشفاها.

حمى رفيق الحريري الجامعة الأميركية والجامعات الأخرى التي خرّجت شبانا لبنانيين وآخرين من العرب برعوا في كلّ الميادين.

أحد خريجي الجامعة الأميركية تبرّع أخيرا للجامعة وكلية الهندسة فيها بمبلغ كبير. اسمه مارون سمعان وهو شاب لبناني من الجنوب تخرّج من كلّية الهندسة.

أراد بكل بساطة أن يكون وفيّا لمن قاده إلى النجاح. أراد أن يكون وفيّا للبنان وللجامعة التي قدّمت له الكثير. تلك مدرسة وطنية بحدّ ذاتها ساهم في تعميمها رفيق الحريري وآخرون سبقوه في ذلك، لكنّ أيّا منهم لم يقدّم ما قدّمه في ظروف في غاية الصعوبة والدقّة.

حمى رفيق الحريري كلّ المؤسسات الوطنية. كان يعرف معنى دعم الجيش وقوى الأمن ومعنى أن تجد جريدة “النهار” ورقا كي تستمرّ في الصدور ومعنى أن يبقى للبنان شركة طيران خاصة به اسمها “الميدل إيست”.

هذا غيض من فيض ما عمله رفيق الحريري الذي أعاد لبنان إلى خريطة الشرق الأوسط. كانت لرفيق الحريري جذور عميقة في لبنان. زرع هذه الجذور الواحد تلو الآخر.

كان دؤوبا. كان عصاميا. كان يعرف أن الرهان على لبنان في محله. لذلك بعد اثني عشر عاما على اغتياله لا يزال رفيق الحريري حاضرا أكثر من أيّ وقت.

يعرف كلّ لبناني شريف ماذا فعل رفيق الحريري للبنان. يعرف قبل أيّ شيء آخر أنّه لولا رفيق الحريري، لكانت بيروت مدينة مقسمة وسطها مكان تسرح فيه وتمرح الكلاب الشاردة.

قبل المباشرة بإعادة وسط بيروت، كان هذا الوسط مساحة تحوّلت إلى أدغال. نبتت أشجار في وسط المدينة. مررت بالوسط في العام 1990 وكان معي ابني الذي كان بلغ في حينه الرابعة من العمر. نظر حوله وقال لي بالحرف الواحد: “لقد قتل الصيّادون المدينة”. كان يقصد بالصيادين أولئك الوحوش الذين ينتمون إلى ميليشيات مختلفة. لم يكن لدى هؤلاء من هدف سوى قتل بيروت.

بفضل رفيق الحريري، انتصرت ثقافة الحياة على ثقافة الموت. هذا معنى إعادة بناء بيروت. أقام جذورا لثقافة الحياة. هذه الجذور عميقة إلى درجة يصعب اقتلاعها. هذه الجذور جعلت اللبنانيين ينتفضون في الرابع عشر من آذار ـ مارس 2005 بعد شهر من اغتيال رفيق الحريري. أخرج اللبنانيون بصدورهم العارية القوات السورية من لبنان بعد احتلال استمر نحو ثلاثة عقود.

لا شيء يعوّض عن خسارة رفيق الحريري الذي يعرف كلّ لبناني من اغتاله ولماذا اغتيل بعد أقلّ من سنتين من تسليم الإدارة الأميركية العراق إلى إيران وبدء الانطلاقة الجديدة للمشروع التوسّعي الإيراني الذي استهدف أوّل من استهدف رفيق الحريري ومشروعه الوطني.

المحزن في الأمر أنّ رفيق الحريري لم يكن فرصة أضاعها لبنان. كان فرصة أضاعتها سوريا أيضا. لا شيء يحدث بالصدفة.

ليس صدفة انهيار سوريا بعد سنوات قليلة على غياب رفيق الحريري. لم يكن الرجل حاميا للبنان فحسب، كان حاميا لسوريا أيضا.

لبنان سيتمكن من التقاط أنفاسه، وإن بصعوبة. ولكن كيف لم يستطع بشّار الأسد فهم أنّ اغتيال رفيق الحريري سيؤدي به وبنظامه وسيجعله أسير مشروع إيراني ذي أهداف واضحة كلّ الوضوح من بين ضحاياه سوريا ولبنان وكلّ ما هو عربي في المنطقة؟

المصدر : صحيفة العرب

 

GMT 06:01 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

سلوك الميليشيات!

GMT 07:32 2019 الخميس ,25 إبريل / نيسان

السودان والرهان العربي

GMT 08:18 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

... وفشل المخطط

GMT 08:42 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تحولات الموقف الإيرانى تجاه الأزمة السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كم هي عميقة الجذور التي زرعها رفيق الحريري كم هي عميقة الجذور التي زرعها رفيق الحريري



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon