الباحث مولود فرتوني

أكد الباحث في الثقافة الشعبية والروائي الجزائري، مولود فرتوني، معاناة الثقافة الشعبية الجزائرية من التهميش الأكاديمي، وسبب تلك المعاناة هو مخابر البحث التي لا يتم تخصيص ميزانيات لها رغم أن هناك مجالات عديدة في الثقافة الشعبية، ويمكن لهذه البحوث أن تحل بعض الغموض خاصة في مجالي التاريخ والمجتمع.

وذكر الروائي مولود فرتوني، في حوار خاص لـ"مصر اليوم"، وهو ابن الحي الشعبي "انكوف" التابع لمحافظة تمنغست أقصى جنوب الجزائر، والحاصل على الليسانس من قسم اللغة العربية وآدابه ورئيس فرع اتحاد الكتاب الجزائريين والرابطة الوطنية للأدب، ومستشار ثقافي ومدون في الثقافة الشعبية: "أن العادات والتقاليد لم يتمكن الباحثين الجزائريين في الثقافة الشعبية الجزائرية من البحث فيها، وإذا لم تبحث فيها فلن تفهم المجتمع الأمازيغي والتارقي بشكل أكبر".

ومن بين أهم البحوث التي قام بها المدون في الثقافة الشعبية، بحث يتعلق بأهم العازفين على المزمار "التارقي" والمعروفة بآلة "تازمارت"، وأكد مولود فرتوني، أن العازفين على هذه الألة المنتشرة بكثرة في صحراء الجزائر، لا تخلو منهم قبيلة ولا عشيرة، وهم متواجدون في كل عائلة أو بيت، ولكن بعد التأمل وإجراء بحوث تبين أن هذه الآلة لو بقيت بين أنامل الكبار ولم يتلقفها الأبناء فهي آيلة للزوال لا محالة، والمجتمعات تعاني من حالة تراجع في فنونها، ومالم تدركها الدراسات الفنية وخاصة في الفنون الشعبية.

وأضاف مولود فرتوني، أنه حاول أن يجسد جزءا من أفكاره عن الثقافة الشعبية الجزائرية، في رواية كتبها عنونها بـ"سرهو"، والتي تعتبر تجربته الأولى في ميدان الكتابة، فتحت له مجالًا أوسع للتعبير عن أفكاره وأحاسيسه، بخلاف الشعر كونه يستند على الوزن والقافية.

وأوضح الروائي الجزائري، أن الرواية تعبر عن مخاضات كبرى كالمدينة والإنسان يبحث في خضمها عن ذاته، وسرهو، تحكي عن قصة حب "ميمون" المعلم الشقي الذي يكدّ ويحترق لأجل لقمة عيش عائلته ومتعة اللقاء بتينهينان التي كفلها رفقة خالتها أميناتا التي تزوجها بعد أن فقدت تينهينان أبويها إثر حادث مرور.

وقد تزامن ذلك مع تخرج ميمون من الجامعة، وكانت تربطه بماضيه البعيد من خلال أسئلتها الفضولية المتواصلة عن الزمن الجميل الممزوجة بمختلف الإيقاعات بكل تفاصيل النقاء والبراءة على امتداد الأهقار الشاسع. 

سرهو في مدلولها اللغوي تعبر عن الأوجه المختلفة للإنسان التارقي المهووس بالجمال، الشرف، الفضيلة، المروءة، وكل السمات الأخلاقية التي تعكس حقيقة هذا "السرهو" الشبيه بالبلور ذي الأوجه الدلالية المتعددة.

وبخصوص الدعوة لتأسيس أرشيف خاص بالثقافة الشعبية الجزائرية، قال مولود فرتوني: "منذ مدة وأنا أسمع هذه الدعوة في كل مرة أجدها غير جادة، وهناك أساتذة دعوا لأطلس الثقافة الشعبية ولكنهم بقوا رهن الواقع، فهناك صراعات عديدة في مجال الثقافة الشعبية ومن المفروض أن يبتعد الباحث الجزائري عن هذه الصراعات ويعمل على خدمة الثقافة الشعبية فقط".